Saturday 19 October 2013

مذبحة ميدان المحطة


 ولم يصدق [أخوه] أيضا رواية المذبحة ولا كابوس القطار المحمل بالموتى... ففي الليلة الفائتة قرأ بيانا وطنيا استثنائيا يعلن أن العمال قد انصاعوا للأمر بإخلاء المحطة وتوجهوا إلى بيوتهم في مواكب مسالمة... وحين سأل العسكريون [السيد براون] متى يمكنه تحديد موعد توقيع الاتفاق... قام بإيماءة تنم عن تشكك عميق وقال:


سيكون ذلك عند توقف المطر. لأننا سنوقف كل أنواع النشاطات ما دام هطوله مستمرا"
والرواية الرسمية التي كررتها ولاكتها في البلاد بأسرها كل وسائل الإعلام التي وجدتها الحكومة في متناول يدها، انتهت إلى فرض نفسها: لم يكن ثمة موتى، والعمال السعداء رجعوا إلى أسرهم، وشركة الموز أوقفت أعمالها إلى أن يتوقف المطر.

 وقد استمر العمل بالقانون العرفي تحسبا للحاجة إلى اتخاذ إجراءات مستعجلة لمواجهة كارثة المطر المتواصل العامة. لكن القوات العسكرية ظلت في مواقعها. وفي النهار كان الجنود يمضون في سيول الشوارع... ليلعبوا مع الأطفال لعبة الغرق. وفي الليل بعد موعد منع التجول يحطمون الأبواب بأعقاب بنادقهم، ويخرجون المشبوهين من فراشهم ويقتادونهم في رحلة لا رجوع منها.

 كانت تلك عمليات البحث عن الأشرار والقتلة ومشعلي الحرائق... غير أن العسكريين كانوا ينكرون ذلك ولا يعترفون به لذوي ضحاياهم الذين يعج بهم مكتب القادة طلبا للأخبار، فيصر الضابط: “من المؤكد أن ما رأيتموه كان حلما. ففي ماكوندو لم يحدث ولا يحدث شيء، ولن يحدث أي شيء أبدا. إنها قرية سعيدة".


ملحوظة: النص السابق مقتبس من رواية "مائة عام من العزلة" لجابرييل جارسيا ماركيز. أي تشابه بينه وبين الحقيقة هو من قبيل الصدفة المحضة.

Saturday 17 August 2013

الفتنة في التفاصيل!

يلفت القرآن النظر أن التمسك ببعض التفاصيل قد يكون مدعاة لفتنة المرء. فالقرآن ينتقد من ردوا على دعوة نوح لعبادة الله بأن الذين اتبعوه أراذلهم (مش من مستوانا، مش عاوزين نبقى معهم في صف واحد حتى لو هم على حق). وقد يكون وصف "أراذلنا" حقيقيا طبقا للمعايير المجتمعية، إلا أن التوقف عنده غير مقبول.


فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴿٢٧ هود



كما ينتقد القرآن من صرف عن ذهنه أمر محمد -عليه الصلاة والسلام- راكنا لإن به جنة. فهذا احتمال قائم ويفسر له لم يقول محمد كلاما لا يقوله البشر. لكن هذا الاحتمال لا دليل عليه عند من ركنوا إليه (تماما كما يركن البعض لحقيقة قتل الإخوان بعضهم بعضا). وبأتي الحديث عن هذا الاحتمال بعد موعظة جميلة:


قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّـهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚإِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴿٤٦ سبأ

وتستمر السورة وتتحدث بعد بضع آيات عمن لا يتفكرون
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۖ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴿٥٣ سبأ
خطر على بالي وأنا أقرأ الآية مكان بعيد اسمه الفيسبوك وشاشات التليفزيون، يقذف متابعيهم بالغيب بعد متابعة قنوات قد علموا كذبها منذ بداية الثورة وقبلها، وصفحات ما أنزل الله بها من سلطان.

وكيف يختبر الإيمان بدون ابتلاء؟ ولم إذن كل هذا الحديث في القرآن عن الأمم السابقة
وعن الابتلاءات التي تعرض لها الصحابة؟

قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿١٣٧ آل عمران
وتستمر الآيات حتى
وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴿١٤١ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٢ آل عمران

إن كنت تنتظر لتجاهد بيئة مثالية لا ريب فيها ولا فتن تعكر صفوك، فاعلم أنك ستنتظر طويلا.

والكثير منا في وقت المحن خاصة يتطلع للقيادة ظانا منه أن في هذا النجاة و الأمان، بغض النظر عن الحق والباطل. وأذكر بانتقاد القرآن لاتباع السادة والكبراء

يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّـهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴿٦٦ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴿٦٧ الأحزاب

علمني شيخي حمزة يوسف أن كل الأديان والفلسفات تأمر بما هو حسن وتنهى عما هو قبيح، لكن الفريد في الإسلام هو أنه يعطيك رؤية للدنيا، إطار تحكم به على الأمور (وليس طبقا لردود أفعال أو لإشباع حاجات مثل الشعور بالأمن). وأضيف أن الإسلام فريد في أنه يعلمك كيف تفكر وكيف تنتقي الغث من السمين.

وأختم بكلمة د. أحمد خيري العمري: الباطل لا يزهق تلقائيا الباطل يزهق بالصدام مع الحق.

#مصر
#انقلاب_عسكري