Sunday 20 March 2011

هل يفيق المصريون على بحر من الدماء؟

انغمسنا بشدة في الاستفتاء و نتائج كلا من نعم و لا. و قتل الأمر بحثا و صوتنا و ظهرت النتيجة. و بغض النظر عما صوتنا له، سنكمل جميعا طريق الإصلاح طبقا للطريق الذي اختارته الأغلبية. و الآن هل لنا أن نقف لحظة و ننظر لما يحدث حولنا؟

الوضع اشتعل في ليبيا و تحول لحرب حقيقية. قوات القذاقي وصلت لمعقل الثوار في بنغازي مما دفع بالتدخل الغربي لتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1973، و تعرض قوات القذافي لقصف عنيف. يواجه المتظاهرون في سوريا بقمع شديد. تحولت درعا إلى سويس الشام، حتى كتابة هذه السطور سقط 5 شهداء. وردت أنباء عن قطع الكهرباء و الاتصالات عن المدينة و خروج عناصر الأمن منها، و يخشي من وقوع مجزرة. المتظاهرون اليمنيون يتعرضون لغازات سامة كما وردت أنباء، و تعرضوا الجمعة في صنعاء لمذبحة من قناصة سقط فيها 52 شهيدا و مئات الجرحى.

لماذا فقدنا الاهتمام بما يجري حولنا؟ الاستفتاء في كلتا حالتي نتيجته سيؤدي لنفس النتيجة في نهاية الأمر، بطرق مختلفة. فلماذا فقدنا القدرة على تحديد الأولويات، التي خص الفقه الإسلامي لها بابا (فقه الأولويات)؟ هل نسينا حرمة الدم و مكانة حفظ النفس في الشريعة الإسلامية (المقصد الثاني لها بعد حفظ الدين)؟ أين نحن من "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم"(1)؟

أنا لا أقول نترك حال مصر و نلقي تركيزنا على الدول العربية كلية، لكن على الأقل يا أخي اهتم بأن تعرف ما يجري. كم من الشهداء يجب أن يسقط حتى تشعر بخطورة الموضوع؟

ربما أتمنى أن تأتي هذه الثورات في وقت كنا نستطيع فيه مساعدتها بصورة أفضل، لكن يبدو أن هذا هو قدر الثورات. أن يقوم كل منا وحده بالتأكيد أصعب من أن تتشابك أيدينا و نقوم سويا. هذا هو قدرنا. عالم عربي تتوزع فيه الموارد بشكل يجعل عدم تكامل أهله من الغباء الشديد.

ليبيا

ليبيا تحتل الصدارة الآن. لماذا نكتفي بإرسال المعونات؟ ألا نرى أن سقوط القذافي و انتصار الثوار و تحجيم التدخل الغربي في ليبيا قضية أمن قومي لمصر؟

سيخرج علينا قائل بأن البلد مش ناقصة و فيها اللي فيها. سأرد بما قاله لي أحد الأصدقاء بهذا الشأن مازحا "ما هو سلاح الطيران قاعد فاضي". لكن الأوقع أن نورد ما قاله المفكر العربي عزمي بشارة أن التدخل المصري المباشر ليس هو الحل الوحيد، بل يمكن على الأقل مساعدة الثوار بالتدريب. أنا لست خبيرة حربية، لكن بالتأكيد يوجد الكثير من الدعم العسكري و اللوجيستي الممكن تقديمه.

الموقف الرسمي جاء بعيدا عن ذلك. امتنعت مصر عن التصويت على قرار جامعة الدول العربية بطلب مجلس الأمن الدولي بفرض حظر جوي على ليبيا. كما نفى مصدر مسؤول في وزارة الدفاع ما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن إرسال مصر شحنات أسلحة للمعارضة الليبية، وقال المصدر في تصريحات لـ«المصري اليوم» "مصر تقف على الحياد مع الأزمة الليبية ولا تدعم أي طرف في مواجهة الآخر"!! و أكد المصدر أن السلطات المصرية تعتبر ما يحدث في ليبيا "شأناً داخلياً وأن الشعب الليبي يجب أن يقرر مصيره بنفسه"!!

ما هذا الكلام؟! تقف على الحياد من سفاح يبيد شعبه لإنه طالب بالحرية؟ كلام غير منطقي و غير حقيقي. المصريون بالتأكيد ليسوا على الحياد. بل إن ما لمسته من نبض الشارع هو تمني تدخل مصر في الموضوع "لولا الظروف". و يعبر عن ذلك ما صرح به مسئول في المجلس الوطنى أن مصر أبلغت المجلس دعمها الرسمى له ولمطالب الثوار الساعين لإسقاط نظام القذافى.

و ما هذا الحديث عن "الشأن الداخلي"؟ أين نحن من التشريع القرآني "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" ﴿٩﴾ الحجرات. و من الحديث "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"(2)

و أين نحن من دور مصر الإقليمي و العربي و الإسلامي؟ أعجيني حديث المستشار هشام البسطويسي في قناة أون تي في 19 مارس حين قال أن دور مصر يمتد لحماية الشعوب العربية من الديكتاتوريين. هل يعقل ألا يتكلم أو يكتب أحد من المثقفين المصريين عما يحدث إلا المستشار، أم إنهم تكلموا و لم أسمع؟

هنا تأتي مسؤليتنا. ففي هذه اللحظات التاريخية، يعاد تشكيل الموقف المصري من القضايا الخارجية. كفانا ثلاثون عاما من التخاذل أفقدت مصر مكانتها. على المصريين أن يعوا أن الآن هو وقت هذا التحول و أن عليهم أن يساهموا فيه و يوجهوه ليتلاءم -بعد طول تباعد- مع إرادة الشعب المصري. لا نريد أن يتكرر ما حدث بالسابق عندما تعاون النظام المصري مع اسرائيل في حصار غزة، و -على حد وصف أحد العاملين بالخليج لي- لم نكن نستطيع أن نرفع أعيينا في أعين إخوتنا العرب. لا نريد أن نشعر بالخزي من مواقفنا الخارجية مرة أخرى. لماذا إذن قمنا بالثورة؟!

سوريا

الموقف الثاني مع سوريا. بعد تعدي موظفو السفارة السورية بالقاهرة على متظاهرين سلميين مصريين و سوريين، و وصول الأمر لاختطاف مصري داخل السفارة (قامت قوات الأمن و الشرطة العسكرية "بتحريره")، بل و وصول الأمر لإطلاق نار على الصحفي السوري محمد أبازيد في الجيزة (و اتهامه عناصر أمن السفارة السورية بالقاهرة بعد أن تلقى تهديداً مباشراً منهم إثر مشاركته في تظاهرات السفارة)، على الحكومة المصرية أن تأخذ موقفا حاسما من السفارة السورية، بل و من نظام بشار الأسد ككل.

هل لا يدرك المصريون مدى حساسية تدهور الوضع في سوريا؟

دعوات

أدعو المصريين أن يتذكروا مكانتهم و يعيدوا حساباتهم، و يفيد في ذلك سماع محاضرة د. سليم العوا في مكتبة الإسكندرية يوم 2 مارس و التي أعطى فيها نظرة شاملة لأولويات المرحلة القادمة، بعيدا عن الأمور الأقل أهمية التي انشغلنا بها.
و أدعوهم لترتيب الأولويات و إدراك أن الأمن القومي لا يمكن استعادته بعد فوات الأوان، و أن عليهم التفكير و العمل لنصرة إخوانهم.
أدعو المثقفين و الكتاب المصريين أن يضطلعوا بدورهم في القضايا العربية و في تشكيل الرأي العام.
أدعو الحكومة المصرية أن تدعم الثورات العربية بما يتلاءم و حجم الموقف، كالاعتراف بالمجلس الوطني ممثلا للشعب الليبي.
أدعو الجيش المصري أن يقدم ما يقدر عليه و يراه مناسبا من دعم.

---
(1) المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع خلاصة حكم المحدث: صحيح
2) المصدر: صحيح البخاري - خلاصة حكم المحدث: صحيح)