Friday, 14 December 2012

مسودة الدستور والتجربة الأمريكية والتجربة التركية

بادئ ذي بدء، هذا الكلام ليس محاولة للدفع بالتصويت على ناحية معينة. لكنه خاطرتين أرى وجوب أخذهما في الاعتبار عند التصويت وبعده، بافتراض أننا متفقين أن مشروع الدستور الحالي ليس مثاليا، وستدخل عليه تعديلات في الفترة القادمة، وذلك لأخذ العبرة من التجارب المشابهة.

مميزات المؤسسة العسكرية
من المؤسف حقا المميزات التي أقرت في الدستور للمؤسسة العسكرية مثل المحاكمات العسكرية للمدنيين، والتي لم تكن موجودة في دستور 1971. يبدو ذلك خسارة كبيرة ورجوعا للوراء. لكن أتساءل: هل يمكن فصل كتابة الدستور عن الواقع، بمعنى: أليس واقع الأمر أن المؤسسة العسكرية سيطرت على الحكم لأكثر من 50 عاما وأن المحاكمات العسكرية للمدنيين كانت تجري بالفعل على نطاق أوسع من المحدد في الدستور الحالي؟

السؤال هو: هل لو شكلنا لجنة أخرى لكتابة الدستور، نستطيع أن نمرر مشروعا للدستور يقلص امتيازات واستقلال المؤسسة العسكرية على النحو المأمول؟

الإجابة في رأي: لا. وأبني ذلك على التجربة التركية.كان الدستور التركي يعطي للمؤسسة العسكرية صلاحيات واسعة سمحت لها بالتدخل في السياسة والانقلاب على حكومات منتخبة مثل حكومة أربكان، أستاذ أردوغان. فما الذي فعله أردوغان بطريقة مختلفة عن أستاذه لإخراج الجيش من السياسة؟
  • بنى لنفسه قاعدة شعبية من خلال العمل في المحليات
  • وصل إلى الرئاسة عن طريق الانتخاب
  • تعامل بحرص مع الجيش
  • ثبّت شعبيته عن طريق تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية لبلده
  • أزاح الجيش عن السياسة من خلال تعديلات دستورية حازت على أغلبية الأصوات في استفتاء شعبي، ولم يسع قادة الجيش حينها غير الاستقالة

سيحتاج إنجاز هذا الأمر وقتا، ربما لن يكون الإخوان هم من يتمه.

التجربة الأمريكية
قصة كتابة الدستور الأمريكي جديرة بالأخذ في الاعتبار. من المعروف أن الدستور الأمريكي من أقوى دساتير العالم من حيث الحريات والحقوق. اجتمع لكتابة الدستور لجنة من 55 ممثلا عن الشعب، اختلفوا في عدة نقاط لكنهم توصلوا في النهاية لصياغة وذلك في عام 1787. وأقر الدستور في عام 1788. لكن هل تعلم أن:

  • "وثيقة الحقوق" التي تضمن حق حرية الدين والنقد والصحافة والتجمعات وحرمة المنازل هي تعديل دستوري في عام 1791 ؟
  • "وثيقة الحقوق" تلك قد انبثقت عن الكونجرس المنتخب بعد إقرار الدستور؟
  • من الأمور التي حدث فيها اختلاف كبير في كتابة الدستور هي العبودية، بين من يريد التجريم ومن يريد التقرير، ولذلك توصلت اللجنة للسكوت عن العبودية، لكن الاختلاف برز مرة أخرى وأدى لقيام الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1861، و بتفكير بسيط ترى أن إصرار اللجنة على حل كل المسائل الخلافية في وقت كتابة الدستور كان سيعجل باندلاع الحرب، وبالتالي لم تكن لتقوم للدولة قائمة من الأساس؟
  • تم تجريم العبودية في تعديل دستوري عام 1865؟
  • لم يقر تصويت النساء في الدستور حتى عام 1920؟

خلاصة الأمر أنه من الصعب جدا الوصول لدستور يحل كل المسائل الخلافية في أول مشروع.

المكاسب الآنية والإصلاحية
كما قال أستاذي د. عبد الفتاح ماضي منذ أكثر من عام، من ضمن مشاكلنا الآن سيادة فكرة أن من لم يحصل على مكسب الآن، لن يحصل عليه أبدا. كان يقصد حينها الإضرابات والاعتصامات المستمرة، لكن أرى أن الأمر ينطبق على كتابة الدستور أيضا. سيحتاج هذا الأمر الهام والمركب لعملية إصلاحية. لذا أرى وجوب التركيز في عمل لجنة الخبراء التي تم اختيارها في لقاء الحوار الوطني والتي يرأسها الدكتور سليم العوا لمناقشة المواد المقترحة للتعديل في مشروع الدستور.

والله الموفق والمستعان.