كانت مجزرة بورسعيد بمثابة معركة الجمل الثانية. كان المقصود منها إشاعة الإحساس بفقدان الأمن و بوجوب بقاء المجلس العسكري في السلطة وبأن الثورة لم تأت إلا بالخراب. لكن جاء التدبير الإلهى بنتيجة عكسية.ربما هدف اللهو الخفي هو بعض الضحايا ولم يتصور أن يكون الوضع بهذا السوء. لكن المجزرة كانت مفجعة و الأرقام مفزعة. و كان رد الفعل الذي رأيت عليه إجماعا أن الحدث غير مقبول.
مجلس الشعب
كما كان المطلوب أيضا من المجزرة إحداث قطيعة بين الشعب ومجلسه. كان اللهو الخفي يعرف أن المجزرة ستثير حنقا شديدا لدى الناس. وستتجه أنظارهم لمجلسهم المنتخب. و أن كثيرا منهم لن يفرق بين ردود أفعال ثورية و إجراءات و موازنات تقوم بها مؤسسة تشريعية وليست تنفيذية. بعد الحادث مباشرة تعالت الصيحات بإقالات واسعة النطاق امتدت من مسؤلي بورسعيد لوزير الداخلية، بل وللحكومة نفسها. لكن ما الذي سنجنيه إن أقلنا القيادات الأمنية و اختار المجلس العسكري البدلاء؟
كما رأى الناس مجلسهم المنتخب "مهرجل" لا يحسن أعضاؤه الاستماع للآخر ويقوم بعضهم بأفعال عجيبة باسم الدين مثل رفع الآذان في منتصف جلسة. و الأكثر أن به نسبة من الفلول. لكن علينا أن نسأل أنفسنا: أليس هذا المجلس يعبر حقا عن الشعب المصري؟
لا أدافع عن تيار معين و لا أقول أن أداء مجلس الشعب يعجبني. لكن ما أسهل التخوين الآن. من البديهي أن نعرف أن فقدان الثقة في مجلس الشعب سيؤدي لأن يكون الشعب الخاسر الأكبر. أعتقد أن علينا الآن أن نرسخ الممارسة الديمقراطية بتأسيس قنوات اتصال بيننا و بين نواب دوائرنا. و تشكيل مجموعات ضغط و الحاجات بتاعة أمريكا و الدول المتقدمة دي.
القضايا الفرعية
كما أسلفت، القضية ليسب قضية بعض المسؤلين الأمنيين. و أيضا لا يصح أبدا بعد مجزرة بورسعيد أن تتحول القضية لمعركة شوارع أمام وزارة الداخلية، ثم تتحول لقضية أكثر فرعية عن هوية المشتبكين وهل هم بلطجية أم ثوار، ثم قضية أكثر فرعية عن استخدام الخرطوش من عدمه، ثم قضية أكثر فرعية عن إذا كانت خرطوشة أبو حامد فارغة أم لا.
قضيتنا الأساسية هي إكمال نقل السطلة للمدنين، و وضع دستور يعبر عن أهداف الثورة لا يتحكم فيه العسكر و لا يعطوا لأنفسهم امتيازات خاصة تضر بالصالح الوطني عقودا قادمة.
علينا أن نعي أنه طالما استمرينا في هذه المرحلة الانتقالية المتخبطة، فلا أمل في تحجيم اللهو الخفي أو الإمساك به، و سيستمر في إشاعة الفوضى. ولذلك إن حدنا في كل مرة يفعل ذلك عن قضيتنا الأساسية، فلن نصل لشئ أبدا
الإضراب
و بالنسبة للإضراب: فكما أسلفت غضب الشارع المصري بعد أحداث بورسعيد و أدرك الكثير من حزب الكنبة أن المجلس العسكري عليه أن يرحل بسبب تواطئه أو على أقل تقدير عجزه عن ضبط الأمور (خاصة بعد الحديث المستفز للمشير). لكن بدلا من أن نستغل تفاعل الشارع معنا نقوم بعمل آخر -وهو الدعوة لإضراب مفتوح المدة-يرسخ في ذهن الناس أن الثوار فوضويون أو على أفضل تقدير غير مقدرين لظروف البلاد الاقتصادية أو ظروف رجل الشارع المعيشية الصعبة.
هذا وإن رأيي يحتمل الخطأ و الله الموفق و المستعان.